تنوعت وتميزت أعمال الراحل أسامة أنور عكاشة (1941 – 2010)، للشاشة الصغيرة بتعبيرها عن تفاصيل شرائح وفئات المجتمع المصري بعد ثورة 1952 بمكوناته المختلفة بحرفية حفرتها في ذاكرة الأجيال؛ أكثر من عشرين مسلسلاً فضلاً عن أفلام ومسرحيات؛ ليالي الحلمية، المال والبنون، الشهد والدموع، ضمير أبلة حكمت، وغيرها.
في مسلسل أرابيسك، أراد الدكتور نعمان بناء فيلته الخاصة على ذوقه، إعجابه بالتاريخ جعله يطلب من مهندس الديكور تصميم كل جزء فيها بطراز مختلف. بدوره استعان المهندس بفنان أرابيسك متميز؛ الأسطى حسن.
حولت العمارة الحديثة المباني إلى كتل حجرية، أقرب إلى صوبة زجاجية، مقطوعة الصلة عن البيئة المحيطة بها. أُهملت العمارة البيئية الـمُعبرة عن ثقافة وشخصية المجتمع، انعكست في تراجع الطلب على شغل الأرابيسك. تدهور دخل حسن وتفككت أسرته، وإن ظل رمزًا لابن البلد الشهم.
عمليًا، اصطدمت رغبة الدكتور نعمان مع أسس الفن والجمال عند حسن. من جهة يرى الدكتور أنه مالك الفيلا وله الحق في اختيار ما يناسبه من ذوق، وإليه يرجع القرار الأخير في تحديد تفاصيل كل قطعة فيها. من جهة أخرى، يرى حسن أنه صاحب رسالة؛ يقدم فنًا له أصول وقواعد يوظفهما لتحقيق رغبة عملائه وللتعبير عن الهوية.
هيمنت إشكالية البحث عن هوية على أعمال الكثيرين من الكُتاب. في الجزء الأول من ثلاثية نجيب محفوظ ضمت الأسرة كافة أطياف المجتمع؛ المرأة المغلوبة على أمرها وتلك المتسلطة، والمتعلمين والتجار ومنهجية كل منهم في التعامل مع قضايا الوطن. وفي الجزء الثالث، ألقت الشرطة القبض على ولدي خديجة؛ عبد المنعم العضو في تنظيم الإخوان المسلمين، وأحمد المنتمي للحركة الاشتراكية، في إشارة للتيارين البارزين في المجتمع آنذاك. لم تتوقف تلميحات محفوظ عند هذا الحد، بل أشار إليها في محل إقامة كل منهما؛ يقطن عبد المنعم شقة بالدور العلوي، وأحمد بالأرضي.
وحظيت رواية البيضاء ليوسف إدريس بالكثير من الاهتمام، تدور حبكتها الروائية عن تشتت رجل شرقي بين امرأتين غربيتين، تتنازعه المشاعر تجاههما، فيتساءل (ترى هل تصلح واحدة منهما أو الاثنتان لأحبهما؟ وهل تقع إحداهما في غرامي؟ وهل يكون لي معها قصة؟). رمزيًا؛ عبرت كل امرأة منهما عن تيار فكري مختلف؛ الغرب الأوربي الرأسمالي، ونقيضه الشرقي الغارق في الاشتراكية. تعبير عن شتات فكري اعترى المجتمع المصري في ستينيات القرن الماضي.
من قبل عبرت كتابات مفكري مصر عن الهوية، وكذلك دارت كتابات الروائيين العرب في فُلك البحث عن الذات؛ الطيب صالح في مواسم الهجرة إلى الشمال، سعد رحيم ومقتل بائع كتب، سعود السنعوسي وساق البامبو، عبد الرحمن منيف ومدن الملح.
ويظل البحث عن الهوية الشغل الشاغل، ليس فقط لأبطال الروايات، بل وللمجتمعات والدول. حنطت الصين وصايا ماوتسي تونج وجعلت من آثاره مزارًا سياحيًا، وركبت الطائرة خلف السيد دينج شياو بنج. ودفن لي كوان يو أحزانه في صدره ودفع بسنغافورة إلى الصدارة. واكتفي لي ميونج باك بحفنة أرز يوميًا ليتعلم وأكمل نهضة كوريا. اختلاف الحلول لا يمنع تقدم الوطن.
رأى حسن في تزيين الفيلا بديكورات من عصور مختلفة؛ فرعونية ورومانية وقبطية وإسلامية ضياع للهوية وتوهان. عبر عنها الراحل سيد حجاب (1940 – 2017) في كلمات المقدمة بشاعرية مرهفة (دنياك سكك/ حافظ على مسلكك/ وامسك في نفسك لا العلل تمسكك.. الشر شرق وغرب داخل في حوشنا/ حوشوه لا ريح شاردة تقشقش عشوشنا/ حوشوا شرارة تطيش تشقق عروشنا/ وتغشنا المرايات تشوش وشوشنا). حفظ الله الوطن.